موضوع الهوية الأمازيغية ورهانات المشروع المجتمعي

إن الأسئلة الكبرى لتاريخ الفكر الانساني كانت وستظل دات طابع وجودي، فالمعارف والعلوم كانت دائما تساؤل الوجود، والأصل الإنساني، فطرح سؤال أصل اللغة أصل العرق أصل المعتقد.. الأنثربولوجيا باعتبارها ثورة العلوم الانسانية بعد الحداثة، حاولت مسايرة الفلسفة في طرح أسئلة دات أبعاد وجودية عميقة، لذالك مافتئ الأنثربولوجي لايتخلى عن الرياضة الفلسفية، أما بخصوص الهوية فقد ناقشتها وتناقشها الفلسفة، وكذالك الأنثربولوجيا تحاول وبقوة فك شفرات التنوع التقافي عبر مسايرة موضوع الهوية بالجماعات الإنسانية، سأحاول في هذه الورقة ان استحضر العمق الانثربولوجي للهوية وربطه بميكانزمات المجتمع المغربي
  1.  أين وصل نقاش الهوية بالمغرب؟
  2. هل للموضوع أهمية داخل الفضاء العمومي؟
  3. هل يمكن إعتبار مؤشر الهوية منطلق نحو مجتمع يحقق الرفاه للمغاربة؟
 لعل نقاش الهوية بالمغرب يجب أن يخضع لمنطق "الهويات"عودة منا للتاريخ المغربي، فلا يمكن تلخيص الهوية المغربية في مكون واحد لأنه مرت من هنا تقافات متعددة، أنماط تفكير مختلفة تقاليد ومعتقدات متنوعة....كما أنه من الصعب اليوم ان نلخص الهوية المغربية بمنطق الاحادية الهوياتية واعتبارا لم مر به مشروع بناء الدولة الحديثة المغربية بعد الاستقلال ف المغرب شهد انحيازا هوياتيا خطيرا طمست الهوية الأمازيغية بالاضافة إلى إهمال المكون اليهودي، ضمنيا لايمكن الجزم بأن المغرب كان مهيئا آنداك بشكل جيد للخوض في النقاش الهوياتي فعصرنة المؤسسات وتشييدها إن صح التعبير كان من هموم الساسة والمفكرين، لكن ضيع المغرب فرصة تشييد مشروع مجتمعي مند آنذاك، 
بناء مشروع مجتمعي وإنجاحه مسألة ليست بالهينة كما لايمكن إنجازه بشكل فوري إن المشروع المجتمعي تراكم تاريخي بحمولته السياسية والاجتماعية يكون العقل عبر الفكر النقدي الحكم في إنجازه.

    من البديهي أن المجتمع المغربي اليوم يعاني إرهاصات تنموية"خبزية"والكثيرون من اللذين لم يطلعوا على التجارب الإنسانية الاخرى، لايرون في النقاش الهوياتي أمرا مهما، لكن الامر مختلف تماما فالتنمية تنمية الإنسان تحت شعار التنمية حرية، وقبل هذا يجب أن نعَرِّف المواطن المغربي "كيف يريد أن يكون؟" ماهي الشخصية السيكولوجية والاجتماعية والتقافية التي يريدها المواطن المغربي....(تجاوز لمناخ يعيش تناقضات: تناقض اللغة مع الواقع،تناقض الدستور مع مناخ العدل والحريات.الميل نحو العنف والتطرف الديني وأحيانا العرقي أو القبلي...)

الهوية ورهانات المشروع المجتمعي المغربي قلم الباحث بواسلي

لقد دكر أمارتيا صن في كتابه "الهوية والعنف" أن أحد الباحثين البريطانيين قاما بمقارنة مشروع التنمية بغانا واليابان  الباحثان البريطانيان يرجعان التنمية باليابان إلى التقافة ، فيبرران بأن التقافة لم تمنح الفرصة لغانا لرسم مشروع تنموي ناجح، فينفي أمارتيا صن مسألة التقافة في التنمية ليس بشكل قاطع بل يعتبرها مؤشر ضمن مجموعة من المؤشرات الأخرى، فيربط العالم الهندي نجاح التنمية في اليابان ببرنامج التعليم اللذي لم تتمكن غانا من تبنيه، وقد آستحضر امارتيا صن الغنى التقافي لغانا من طبخ وموسيقى ولباس وعادات...
فعلا إن المجتمع الياباني إستثمر في التقافة البودية(بودا يعني المتنور)هذه التقافة التي توصي بالعلم والابداع....هنا نلخص بأن التقافة لاأهمية لها إن لم يستثمر فيها بما فيها من خصائص هوياتية أيضا، هنا وجب الاطلاع على مؤشر الهوية اللذي لم يلقى إهتماما الا في الآونة الاخيرة بالمغرب وخاصة موضوع الهوية الأمازيغية، على أي يجب وضع الهوية في قائمة النقاشات اليوم وتحديد من هم المغاربة، فثنائية التضاد"الأصالة أو المعاصرة"لم تعد سائرة المفعول في أي إصلاح مجتمعي(المجتمعي ليس هو الإجتماعي فالأول شامل وجامع لكل الجوانب:السياسية والاجتماعية والاقتصادية والتقافية...)  طبعا يجب استثمار الثراث الوطني في مشاريع التنمية وفي بناء الشخصية المغربية، ولايجب اختزال المغربي في خانتي مع الأصالة أو المعاصرة، بل يجب فتح افق الاختيار لأكثر من هوية، فالمواطن الأكثر انفتاحا هو الأكثر إنتاجية هنا استحضر الشخصية الامريكية فالأمريكي اليوم شخص يستطيع ان يتكيف مع اية تقافة في العالم لأن الثمثل الهوياتي للامريكي مبني على فلسفة الاختلاف، هذه الفلسفة ماأحوجنا اليها اليوم بالمغرب لنخرج من التحايز التقافي والأحادية الهوياتية، المغربي ليس مسلم فقط بل هو أفريقي وأمازيغي وعربي ويهودي... فكل هذه المكونات إضافة ومواد أساسية لبناء المجتمع المنسجم المتوازن وأن لاتكون لنا تمثلات ضيقة لمفهوم الهوية.

   إن المشترك الانساني الوطني أكبر ضامن للإستقرار والتقدم، هنا أرجع الى التاريخ المعاصر عندنا من المعروف بأن الصراعات الايديولوجية بين التيارين الاسلامي واليساري التي عاشها المغاربة، أفقدتهم الطاقة نحو السير لايجاد طريق بناء الدولة الوطنية فاختزلنا الهوية إما في أن تكون مع اليساريين أو مع الاسلاميين، والتحقت الحركة التقافية الامازيغية بالمركبة فصرنا اليوم ننطق في معاشنا اليومي "أمازيغي،عربي،اسلامي" فوقع شرخ لمفهوم الهوية فلما لاتكون الهوية  تتحرك وفق ميكانيزمات المشترك فانتمائنا لنفس "الطبقة" الاجتماعية هو انتماء هوياتي حتى المهنة هوية مشتركة،بالاضافة الى "النوع"أيضا:المرأة تنتمي الى صنف النساء كانتماء هوياتي ...... هنا مسألة هوية واحدة تعرقل أي مشروع مجتمعي، فَنَسُدُّ الافق أمام الفاعلين لتبني التعددية التقافية بل والحرية في الانتماء(مشروع الحرية في الآنتماء أعظم شأنا من مشروع التعددية في حد داته) فانطلاقا من مفهوم حرية الانتماء التقافي تظهر جليا معاناة المجتمعات الطائفية فموضوع الإرهاب اليوم لو ربطناه في المغرب بمسألة الهوية، لوجدنا أن الارهاب واللذي تتبناه فئة من أبناء الوطن ضد الوطن هو ناتج عن غموض ينتاب الشخصية المغربية، هذا السرطان الفتاك  اللذي تصرف الدولة عليه ميزانيات كبيرة متبنية المقاربة الامنية فقط لمحاربته، لو فكرنا قليلا لوجدنا أن الحرية في الانتماء التقافي حل ناجع للقضاء عليه يعني أن نفتح الأفق للمغربي ليعتنق هذه الحرية(انت تحس أنك أمازيغي عبِّر عن انتماءك كما شئت في إطار عدم المساس بقدسية التعايش،أنت عربي عبر عن ذالك بنفس الشرط، أنت مسلم نفس الامر......)

كانت للجماعات الأمازيغية ميزة "التتاقف" أي تلاقح التقافات في إطار التعايش، فلماذا تغض الدولة اليوم النظر عن هذا الإرث اللامادي؟
هذا السؤال مرتبط بإشكالية الإنحياز الهوياتي للمسؤولين المغاربة، وهي مسألة اليوم يجب أن يتعاملو معها بكل جدية لأن الحركة التقافية الأمازيغية اليوم لها قاعدة جماهيرية كبيرة لم تعرف التيارات الاخرى مثيلا لها، دون أن ننكر بكل موضوعية وجود تيار راديكالي داخلها والأخطر أنهم يمارسون السياسة تحت غطاء الدعوة الى التنوير الهوياتي، هذا الامر لن يكون جيدا في المستقبل لأن هذه الفئة تحس بالإقصاء والهدر  لحقوقها التقافية،لذالك لابد من التصالح مع الدات المغربية،وإعطاء الكل الحق في الكلمة وتبني المقاربة التشاركية عبر نهج فلسفتي الاعتراف والاختلاف (من حقك ان تختلف معي كما لي الحق أن أختلف معك وليس بالضرورة أن تكون معي أو ضدي) هكذا يمكن أن نكون أمام إرادة قوية لمشروع مجتمعي يصون حقوق الجميع بانتماأتهم المختلفة في إطار نحن هويات ولسنا هوية واحدة.

 حكيم بواسلي طالب باحث في الأنثربولوجيا
المصادر :
 أليكس ديتوكفيل : "الديموقراطية بأمريكا"
 مورييس غوديليي "القبائل في التاريخ وفي مواجهة الدول"
 أمارتيا صن "الهوية والعنف"
 عبد الله حمودي "الحداثة والهوية"
 حسان الباهي "فلسفة الفعل"

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

كلمات امازيغية رومانسية معبرة ومعانيها للعاشقين - احبك

تعلم الحروف الامازيغية مترجمة الى العربية - Learn Tamazight

اجمل كلمات امازيغية رومانسية مترجمة الى العربية - عبارات حب قصيره